انتقل المغرب من مرحلة ندرة المياه إلى الإجهاد المائي؛ حيث من المرتقب أن يفقد حوالي 30% من الموارد المائية سنويا بحلول العام 2050 ، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الاستهلاك السنوي من الماء 606 متر مكعب لكل نسمة.
وبحسب تقرير حديث صادر عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، حصلت CNBC عربية على نسخة منه، ويحمل عنواناً "الماء في المغرب: إرث الماضي، أزمات الحاضر وفرص المغرب الرقمي المستدام"، فإن أزمة المياه في المغرب لم تعد مقتصرة على المناطق الريفية؛ بل أصبحت شاملة، حيث امتدت لتشمل المناطق الحضرية وشبه الحضرية، مهددة توفر المياه الصالحة للشرب لجزء كبير من السكان، كما أن لها تداعيات كبيرة على العديد من القطاعات الأخرى.
وأشار التقرير إلى عدة تحديات رئيسية تواجه قطاع المياه في المغرب، أبرزها:
▪️ الإجهاد المائي الحاد: انخفض نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً.
▪️ التغيرات المناخية: أدت إلى انخفاض معدلات الأمطار بنسبة تتراوح بين 10% و20%، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة وتسارع معدلات التبخر.
▪️ ضعف الحوكمة والسياسات المائية: غياب التنسيق بين القطاعات والاستنزاف غير المنظم للمياه الجوفية.
▪️ الضغط الزراعي الكبير: يستهلك القطاع الزراعي 80% من الموارد المائية، مع اعتماد مفرط على محاصيل مستنزفة للمياه مثل الحمضيات والأفوكادو.
▪️ إهمال الاقتصاد الدائري: لا يتم استغلال سوى 7% من المياه العادمة المعالجة.
وشهدت السنوات الست الماضية موجات جفاف شديدة متتالية طالت جميع أنحاء المملكة، حيث ظلت معدلات هطول الأمطار منخفضة للغاية، وتشير العديد من الدراسات إلى احتمال انخفاضها بشكل أكبر مستقبلاً نتيجة لتغير المناخ. بينما تكررت انقطاعات المياه الصالحة للشرب في عدة مدن كما أن النتائج الكارثية للمواسم الزراعية أثرت على الاقتصاد المغربي.
تشير البيانات المتاحة إلى أن الكمية المستغلة من المياه الجوفية (3.68 مليار متر مكعب سنويا ) تتجاوز بحوالي 240 مليون متر مكعب الكمية القابلة للاستغلال المستدام (3.44 مليار متر مكعب سنويًا). كما تعاني معظم الفرشات المائية من انخفاض في مستويات المياه، مما قد يؤدي إلى النضوب في بعض المناطق، ويترتب على ذلك تناقص مصبات العيون ونضوب العديد منها. كذلك، تشهد المساحات السقوية التقليدية تدهورًا في المساحة والفعالية مثل الواحات التي تواجه تقليصا في مساحاتها.
اقرأ أيضاً: صندوق النقد الدولي يتوقع تسارع النمو في المغرب إلى 3.9% في عام 2025
كما تتعرض معظم الأودية لتدهور كبير في جودة مياهها بسبب استقبالها للمياه المستعملة. كما تظهر مؤشرات على تلوث الفرشات الباطنية بواسطة النيترات.
وتعد نسبة معالجة المياه العادمة ضئيلة، حيث لا تتعدى 7%، وقد تكون النسبة أعلى قليلا حاليا. يضاف إلى ذلك تلوث المياه بالنفايات نتيجة وجود المطارح العشوائية. كما يضيع حوالي 65 مليون متر مكعب من طاقة التخزين بسبب توحل السدود.
ووفق التقرير، يعاني المخطط الوطني لتهيئة الأحواض بخلل واضح، حيث تم إنجاز 35000 هكتار فقط بدلاً من 75000 هكتار سنويا كما كان مقررا ، وفق التقرير.
وضع السدود والأحواض
ولفهم الاختلالات المتعلقة بالسدود والأحواض، يشير التقرير مثالا على ذلك إلى سد رطبة، الذي يتم بناؤه حاليا ويعتبر ثاني أكبر سد في المغرب بسعة تصل إلى 1.9 مليار متر مكعب، على أحد روافد وادي ويرغة الذي يحتضن بالفعل سد الوحدة، الأكبر بسعة 3.8 مليار متر مكعب.
تشكل السدود الكثيرة في حوض سبو وروافده حاجزا أمام الفيضانات، لكنها تؤدي إلى تخصيص المزيد من المياه الصالحة للشرب للمناطق الأخرى، مما يقلل كميات المياه المخصصة للري. هذا الوضع يدفع نحو زيادة الاعتماد على المياه الجوفية واستخدام أنظمة الري الموضعي بديلاً عن الري السطحي.
كما يشير لوضعية خزان المعمورة والذي يمتد على حوالي 1500 كيلومتر مربع بعمق يتراوح بين 20 و40 مترا، وقد يصل إلى 80 مترا في بعض المناطق. يُعد هذا الخزان مصدرًا رئيسيًا لتوفير مياه الشرب وري حوالي 10,000 هكتار من الأراضي الزراعية.
ومع ذلك، فإن تزايد عمليات الضخ أدت إلى تزايدًا في ملوحة مياه الخزان نتيجة الاستنزاف المفرط خاصة على طول الساحل، في حين يعتمد تغذيته بشكل رئيسي على الأمطار التي انخفض معدلها السنوي إلى حوالي 500 مم بفعل التغيرات المناخية.
اقرأ أيضاً: المغرب.. الجفاف يفاقم البطالة ويضغط على مؤشرات النمو بـ 2024
على سبيل المثال، يضم نظام الغرب خزانا سطحياً حرًا وآخر عميقا شبه محاصر، ويتراوح عمق المياه فيه بين 4 و8 أمتار، ولكنه يصل إلى أقل من مترين في المناطق الساحلية. يغذى الخزان من الأمطار، وتسرب مياه الري، والأنهار المجاورة، لكن الاستنزاف المفرط أدى إلى تدهور مواره المائية.
يمتد خزان مناصرة على مساحة 500 كيلومتر مربع ويحتوي على مياه جوفية بعمق 10 أمتار. في الثمانينات ، تسبب استغلال زراعة الخضروات في انخفاض مستوى المياه الجوفية بمعدل 2-4 أمتار سنويًا .
ومؤخرًا، أظهرت الدراسات أن مياه البحر بدأت بالتدفق إلى الداخل نتيجة الضخ المفرط والاستنزاف، حيث تمتد المياه المالحة حاليا لنحو 11 كيلومترا داخل الأراضي، مع ارتفاع الحدود بين المياه المالحة والعذبة بمعدل 2-3 أمتار سنويا.
في المقابل يقع نظام درادر سوير في أقصى شمال حوض سبو ويغطي 600 كيلومتر مربع. يحتوي على خزانين مائيين، أحدهما مفتوح والآخر عميق. ويتميز بموارد مائية ذات جودة كيمائية عالية مما يجعله نموذجًا إيجابيا في المنطقة.
ما الذي يحتاجه المغرب؟
في هذا السياق، يقدم التقرير حزمة من التوصيات لضمان إدارة فعالة وعادلة للموارد المائية في المغرب، من بينها:
▪️ إصلاح الحوكمة والسياسات المائية، وذلك من خلال: إنشاء هيئة وطنية مستقلة للمياه لتنسيق وتطبيق السياسات العامة، ودمج الأمن المائي في الاستراتيجيات القطاعية مثل الفلاحة والصناعة والطاقة، و إصلاح نظام التسعير المائي ليعكس الندرة ويشجع على الترشيد.
▪️ إصلاح القطاع الزراعي والري، من خلال تحفيز زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه مثل الزيتون، اللوز، والزعفران، وتعميم تقنيات الري الذكي مثل التنقيط والاستشعار عن بعد، وإلزام الفلاحين بالحد من ضخ المياه الجوفية عبر نظام حصص صارم.
▪️ الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، من خلال إطلاق منصة رقمية لمراقبة الاستهلاك المائي باستخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مع تشجيع الشركات الناشئة المتخصصة في إدارة الموارد المائية، وتوسيع استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة رطوبة التربة وتحسين كفاءة الري.
▪️ تعزيز التمويل والشراكات، عبر استحداث صندوق وطني للأمن المائي لتمويل مشاريع البنية التحتية، وتشجيع السندات الخضراء والتمويل المستدام لمشاريع تحلية المياه ومعالجة المياه العادمة، وتطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإدارة الموارد المائية بكفاءة.
▪️ تعزيز الاقتصاد الدائري وإعادة استخدام المياه، من خلال: تحفيز إعادة تدوير المياه العادمة في الزراعة والصناعة، وفرض استخدام المياه المعالجة في المنشآت السياحية والمناطق الصناعية، وتعزيز نظم الزراعة المائية المستدامة.
▪️ إشراك المواطنين في الحفاظ على المياه، عبر إطلاق برامج توعوية مدرسية وإعلامية حول أهمية الترشيد، وإنشاء تطبيق رقمي لمراقبة استهلاك المياه على مستوى الأسر والمؤسسات، وتوفير حوافز مالية للأسر التي تقلل من استهلاكها المائي.
وخلص التقرير إلى أن ضمان إدارة متوازنة وعادلة وفعالة للمياه في المغرب يتطلب استراتيجية وطنية شاملة تقوم على الحلول الذكية، الممارسات التقليدية، الحوكمة الرشيدة، والتعاون الدولي، وذلك لضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي