بقلم: خالد نوح/ مُحرر في CNBC عربية
هل هو جنون؟ أم فعلا نهضة لقطاع جديد لجيل جديد؟
أسئلة عديدة تتداول في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بالزخم المتزايد على العالم الافتراضي أو ما يعرف بالـ"ميتافيرس". عالم يؤدي فيه الفنانون، مثل "جاستين بيبر و"أريانا غراندي" و"دي جي مارشميلو" وحتى "باريس هيلتون"، حفلات بشخصياتهم الـ"أفاتار" الافتراضية أمام مئات وحتى آلاف المشاهدين في آن واحد لتكون أرباحهم "الحقيقية" من حفلاتهم "الافتراضية" هي مليارات الدولارات.
فإلى أين نحن ماضون؟ وعن ماذا نبحث؟ وعن أي عالم أتحدث؟
أتحدث عن عالم فيه العلامات التجارية سهلة المنال فمثلا، شهدنا إطلاق Tommy Hilfiger عبر شركة Roblox مجموعة من الأزياء الرقمية التي يمكن للشخصيات الافتراضية ارتدائها.
كما افتتحت شركة Nike عالمًا افتراضيًا يدعى Nikeland في نوفمبر 2021، حيث يمكن للزوار لعب العديد من الرياضات الافتراضية مع الأصدقاء، وارتداء حذاء الـAir Force وأيضا الفوز بالميداليات.
أتحدث عن عالم لا تسمع فيه كلمة جائحة أو مجاعة، لا قتل ولا قتال، موارد بيئية غير محدودة، لا أزمة مناخ ولا تضخم.
فقط، ألوان فرح وأمل تشعشع المكان، ليكون بين الواقع والخيال كبسة زر واحدة فقط، وبين الحقيقة والخيال شعرة.
من أطلق على العالم الافتراضي كلمة "ميتافيرس"؟
لفهم ما معنى "ميتافيرس" وما هو الواقع الافتراضي وكيف يمكن الانضمام إلى هذا العالم العجيب الغريب، علينا فهم أساس مصطلح "ميتافيرس".
ففي عام 1992 قام "نيل ستيفنسون" في روايته Snow Crash باستخدام المصطلح لأول مرة، مشيرا بها إلى واقع افتراضي عبر الإنترنت.
ففي الرواية، يستخدم الناس صور رقمية عن أنفسهم لاستكشاف عالم الإنترنت، وغالبًا يكون السبب هو الهروب من واقعهم التعيس.
واليوم، وبعد حوالي ثلاثة عقود، أصبحت الرؤية المستقبلية لـ"ستيفنسون" قريبة جدا من أن تكون واقعًا يعيش فيه الناس، حيث أعلن الرئيس التنفيذي لـMeta "مارك زوكربيرغ" في أكتوبر 2021، أن تركيزه سيكون من الآن فصاعدا على تطوير عالما افتراضيا خاص بالشركة، ليقوم بتغيير اسم الشركة من Facebook إلى ما هو عليه اليوم، مؤكدا على أن خطط Meta المستقبلية هو العالم الافتراضي.
فبعد أن قامت Facebook بجمع العالم عبر تعليق وكبسة زر إعجاب، ها هي اليوم تغير اسمها إلى Meta لمواكبة المستقبل سعيا لجمع العالم بطريقة مختلفة، لكن هذه المرة "عبر المشاعر عن بعد".
بين الروايات والواقع أزمات متشابهة
تدور أحداث رواية Snow Crash في أوائل القرن الحادي والعشرين في عالم منهار اقتصاديا ومسيطر عليه الشركات العملاقة، حيث فقدت الحكومات معظم قوتها، ويعد عالم "الميتافيرس" بمثابة هروب.
فالشخصية الرئيسية في الرواية "هيرو"، وهو في العالم الحقيقي "متسلل أجهزة كمبيوتر" مفلس وأيضا سائق توصيل بيتزا، يقضي عبر شخيصته الافتراضية "أفاتار" معظم وقته هناك.
فبمجرد وصول "هيرو" إلى العالم الآخر من خلال ارتداء نظارات وسماعات خاصة، يمكن للـ"أفاتار هيرو" القيام بجميع الأنشطة الترفيهية، فيدخل عالم مدن الملاهي والمتاجر والمكاتب.
كما ويتحدث "ستيفنسون" عن الآثار السلبية للـ"ميتافيرس" على صحة المستخدم، حيث يحاول بطل الرواية بإيقاف فيروس في الكمبيوتر يتسبب بتلف دماغ المستخدمين.
المقارنة بين رواية "ستيفنسون" والواقع
فبعيدا عن القصص والروايات وبالعودة إلى العالم الحقيقي، فاهتمام الشركات بالعالم الافتراضي اليوم يأتي في زمن يعاني فيه العالم من أزمات عديدة بسبب جائحة كورونا، أبرزها ارتفاع الأسعار حيث وصل التضخم في أميركا إلى أعلى مستوياته في 4 عقود وفي أوروبا إلى أعلى مستوياته تاريخيا.
بالإضافة إلى هيمنة الشركات الكبيرة على بيانات المستخدمين، وبالتالي على حياة آلاف من الناس، إذ أننا نعيش عصر أطلق عليه العديد من الخبراء بـ"عصر البيانات".
فمثلا شهدنا مؤخرا استدعاء الحكومة الأميركية مسؤولي شركات التواصل الاجتماعي، مثل Twitter وReddit وAlphabet وMeta، بسبب نشر معلومات مضللة وتشجيع العنف، وأيضا التأثير على نتائج الانتخابات في البلاد.
العالم أصبح مُنهار والشركات الكبيرة هي المسيطرة.. فهل أصبحت الرواية واقعًا نعيش فيه؟
الخطوات لدخول عالم الـ"ميتافيرس"
أولا وبحسب "فيليسيا هو" من موقع The Fortune، يجب اختيار المستخدم المنصة الذي يريدها، ومن أبرزهم Decentraland وRoblox وThe Sandbox.
فإذا كان يبحث المستخدم عن تجربة كاملة، فقد لا يكون الكمبيوتر المحمول كافيًا، ويحتاج أيضًا إلى محفظة عملات مشفرة، ولكن إذا لم يكن يتطلع لشراء أو بيع أي شيء، فيمكن للمستخدم التجول واستكشاف العالم الافتراضي كـ"ضيف".
ومن ثم عليه إنشاء "أفاتار" خاص به، حيث يقوم بتصميم "الأفاتار" بالطريقة التي تناسبه، من تسريحة الشعر ولون العينين والملابس وصولا إلى الإكسسوارات.
ومن ثم يمكن للمستخدم بدء استكشاف العالم الافتراضي واللعب والتعرف على الأصدقاء والتحدث معهم.
هل أصبح الاستثمار في العالم الافتراضي واقعيا؟
من دون أي شك، شهد قطاع "الميتافيرس" في الفترة الأخيرة اهتماما كبيرا وخاصة من قبل شركات العقارات.
فإنه ليس سراً أن أسعار العقارات أصبحت على ارتفاع في العالم الحقيقي، حيث أجبر فيروس كورونا العديد من الأشخاص إما على العمل أو الدراسة من المنزل، مما أدى إلى تغيير بوصلة الأموال والاستثمارات إلى العالم الافتراضي، لتكون المفاجئة الأبرز أن الأسعار في العالمين متساوية!
فشهدنا شراء شركة Tokens.com مؤخرًا قطعة أرض في Decentraland بما يقارب 2.5 مليون دولار.
ليؤكد رئيسها التنفيذي أن أسعار العقارات في العالم الافتراضي قد ارتفعت ما بين الـ400% إلى 500% في الأشهر القليلة الماضية.
كما واشترت شركة التطوير العقاري الافتراضية Republic Realm قطعة أرض بـ4.3 مليون دولار.
لتقوم الرئيسة التنفيذية للشركة بمقارنة الأسعار بين العالمين، حيث قالت "جانين يوريو" لـCNBC أن شركتها باعت 100 جزيرة افتراضية العام الماضي مقابل 15 ألف دولار لكل منها.
لتضيف أن سعر الجزيرة الواحدة اليوم هو حوالي 300 ألف دولار، أي نفس متوسط سعر المنزل في الولايات المتحدة الأميركية.
حذرت يوريو أيضا من المخاطر المتعلقة بالاستثمار في العقارات الرقمية.
لتؤكد Coindesk بدورها على تصريحات يوريو، حيث أشار Coindesk و جانين يوريو إلى أن الخيار الأفضل والأقل خطورة لمستثمري التجزئة الذين يريدون الاستثمار في قطاع "الميتافيرس" هو الشركات المدرجة في البورصات العالمية والتي ترتبط نماذج أعمالها و ربحيتها بقطاع "الميتافيرس".
ومثال على تلك الشركات قد تكون Roblox وUnity Technologies وNvidia.
فارتفاع أسعار أسهم الشركات المتعلقة بقطاع الـ"ميتافيرس"، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات فيها لتصل إلى مستويات العالم الحقيقي، تجعلنا نستوقف أمام الواقع الذي نحن فيه اليوم.
فبالفعل تضيق المسافات بين عالمنا الحقيقي ونظيره الافتراضي، فهل قررت البشرية التخلص من واقعنا المعقد واللجوء إلى عالم لا يعرف معنى الظلام؟ ..فهل أصبحنا جميعنا "هيرو"؟
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي