بقلم فاروق يوسف/ محرر في CNBC عربية
حتى في أحلك الظروف.. تظل روح الفكاهة هي الطابع الرسمي للمصريين لتخفيف حدة الضغوط الاقتصادية التي يعيشونها حالياً؛ بدءًا من ارتفاعات الأسعار مروراً بزيادات الرسوم والفواتير، ووصولاً إلى قرار البنك المركزي برفع الفائدة والذي ساهم في خفض قيمة الجنيه المصري.
فيتداول أحدهم: "شمموا الجنيه بصل يا جماعة"، في العرف المصري، يُستخدم البصل في حالات الإفاقة من الدوخة والإغماء بحجة أن رائحته نفاذْة تنبه الدورة الدموية والجهاز التنفسي مما يعجل باستعادة الوعي، وهو تعبير مجازي عن انخفاض الجنيه أمام الدولار.
وآخر ينشر فيديو مركب ملخصه حوار بين الدولار والجنيه، يقول فيه الأول للأخير: "من هذا النكرة.. أنا بيه بن بيه".
وذاك يكتب على صفحته: "حرفياً انتهت حلول الأرض.. الأمر متروك لحتة الآثار"، وهي لمحة تفيد بأنه لا مفر من زيادات الأسعار المقبلة إلا من خلال بيع قطعة آثار ستكون طوق النجاة للتحول نحو الثراء والتعايش مع الظروف الحالية.
وآخر يتساءل: "يعني أنا دلوقتي كنت سالف 1000 جنيه من حد، أرجعهم 850؟"
الفكاهة والدعابة لم تكن هي الطريقة الوحيدة التي عبر بها المصريون عن حالتهم، لكن ثمة طرق تشوبها معاناة ومناجاة.
يظهر تعليق على صورة ورقة فئة 100 جنيه: "الورقة دي متقدرش تشترى بيها كيلو لحمه أو تشترى بيها أي حاجه تلبسها أو حتى تروح بيها مشوار.. بس تقدر تشتري بيها بني آدم 12 ساعة شغل".
ذلك تعبيراً على أن المئة جنيه هي أجر يومي لأفراد كثيرة من الطبقة المتوسطة، في حين أنها لا تكفي لشراء كيلو من اللحم.
أيضاً غلبت الناحية الدينية علي تعليقات المصريين حول تخوفهم من زيادات سعرية مقبلة فمنهم من يناجي ربه ويقول: "يارب هونها واسترها على الطبقة المتوسطة والفقيرة" ويكمل: "لنا ولهم الله".
ماذا حدث؟
في اجتماع استثنائي، فاجأ البنك المركزي المصري الأسواق بقرار رفع أسعار الفائدة بنسبة 1%.
على إثر ذلك، انخفضت قيمة الجنيه لأكثر من 15%، وشهد سعر الصرف تذبذبات سعرية، إلى أن استقر الدولار عند 18.17 جنيهاً للشراء، و18.26 جنيهاً للبيع.
ما الأسباب التي دفعت المركزي المصري لرفع الفائدة؟
بشكل عام، واعتباراً لما يحدث حول العالم، فإن عام 2022 هو عام رفع الفائدة.
يشهد العالم موجة تضخمية كبيرة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عقود عديدة، ما دفع البنوك المركزية في العديد من الدول كان على رأسها الفدرالي الأميركي لتشديد السياسة النقدية، ورفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.
الحالة المصرية
تعد مصر أحد أهم الأسواق الناشئة، ولذلك لم تكن بمنأى عن الضغوط التي يشهدها العالم، والتي زادت من حدتها الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ خلفت ارتفاعات في أسعار كل شيء على رأسها القمح والحبوب وكذلك المعادن وحتى النفط.
في ضوء ما سبق، كان رفع الفائدة ضرورة حتمية، خاصة وأن معدل التضخم في مصر ارتفع إلى نحو 8.8% في نهاية فبراير 2022، بحسب البنك المركزي.
في الوقت نفسه، ساهمت معدلات التضخم وإعلان الفدرالي الأميركي في أكثر من مرة إلى اتجاهه نحو رفع الفائدة على مدار العام، في زيادة عمليات الدولرة، حيث خرجت كثير من الاستثمار الأجنبية بالأذون والسندات خلال الفترات الماضية، وتوجه الكثير للاستثمار بالعملة الخضراء، هذا إلى جانب ضعف إيرادات السياحة التي تأثرت بشدة نتيجة الحرب الجارية، وكل ذلك أدى إلى قلة المعروض من العملة الدولارية بالسوق المصرية.
صورة مبسطة
نظرياً، يعد رفع الفائدة وسيلة لتقليل كمية الأموال المتداولة في السوق سواء كانت بين أفراد أو مؤسسات، وبالتالي ضعف الإقبال على شراء السلع والخدمات وهو أحد العوامل التي تسهم في السيطرة على التضخم نسبياً.
وللعلم، فكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يحدده أي بنك مركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة.
ولذلك، سيتجه الأفراد إلى وضع أموالهم في البنوك في صورة شهادات وودائع، وهذا هو المغزى من كبح جماح التضخم عبر زيادة أسعار الفائدة، من خلال تقليص حجم النقود المتداول داخل الأسواق، وبالتالي تتراجع معدلات الاستهلاك والاستثمار، ومن ثم تتشكل الأسواق بناء على السيولة المتوفرة فقط.
لكن من ناحية أخرى، يشكل رفع الفائدة الأميركية عائق أمام الجنيه، فقد قد يكون الدولار أحد الأوعية الاستثمارية الجذابة للمستثمرين خلال الفترة الحالية ما قد يشكل ضغوطًا على الحكومة المصرية التي تحاول التعامل مع التداعيات الجارية بأنماط وسياسات مختلفة.
جهود حكومية
رغم كل ما سبق، إلا أن الحكومة المصرية تحاول جاهدة تخفيف حدة الضغوط على مواطنيها، حيث تم تخصيص 130 مليار جنيه للتعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية، ووفرت حزمة مالية جديدة للحماية الاجتماعية وتحسين الأجور مع مرتب أبريل.
لم تقتصر الجهود الحكومية على ذلك فحسب، بل خصصت زيادات للمعاشات بنسب 13%، وزيادة حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25% من 24 إلى 30 ألف جنيه، وذلك للتخفيف عن المواطنين.
أيضاً، تحملت الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة عن قطاعات الصناعة لمدة 3 سنوات بقيمة 3.75 مليار جنيه، وأجرت تعديلات على مشروع قانون الضريبة على الدخل لتنشيط البورصة المصرية.
وأقرت الحكومة المصرية بإعفاء صناديق الاستثمار والأوعية المستثمرة في البورصة من الضريبة، ومنح المستثمرين مجموعة حوافز ضريبية إضافية لدعم سوق رأس المال وزيادة الإقبال على التداول قيد الشركات في البورصة، مع خصم نسبة 50% من قيمة الأرباح الرأسمالية المحققة عند الطرح الأولي في بورصة الأوراق المالية لمدة سنتين من تاريخ صدور القانون.
كيف تفاعل سوق المال في مصر؟
وعلى ذكر البورصة، تفاعل سوق الأوراق المالية بشكل إيجابي وارتفع المؤشر الرئيسي لنحو 4.9%، وانتعشت أسهم البنوك المدرجة كان على رأسها بنك قطر الوطني والبنك التجاري الدولي.
قد يعني هذا، أن الاستثمار في الأسهم جاذب للكثيرين في المرحلة الراهنة، لكن اتجاه بنوك مصرية حكومية لطرح شهادات إيداع بعائد 18% سنوياً قد يحد من فكرة الاستثمار في الأسهم.
هل هناك زيادات سعرية؟
يتوقع الكثير من بنوك الاستثمار ارتفاعات في الأسعار بنسب تتراوح ما بين 10 إلى 15% نظرًا للانخفاض الذي حدث للجنيه، وهو ما سيسهم في تكلفة الاستيراد.
لكن حددت الحكومة أمس سعر الدولار الجمركي بقيمة 16 جنيهاً، وأعادت العمل به مرة أخرى بعد أن توقف منذ 2019، وذلك في خطوة منها لتحجم زيادة الأسعار المتوقعة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي